فصل: الشاهد السابع والأربعون بعد الخمسمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.مقتل المركيش وملك الكندهري مكانه.

ثم ارتحل صلاح الدين إلى سنان مقدم الإسماعيلية بالشام في قتل ملك إنكلطيرة والمركيش وجعل له على ذلك عشرة آلف دينار فلم يمكنهم قتل ملك إنكلطيرة لما رأوه من المصلحة لئلا بتفرغ لهم صلاح الدين وبعث رجلين لقتل المركيش في زي الرهبان فاتصلا بصاحب صيدا وابن بازران صاحب وأقاما عندهما بصور ستة أشهر مقبلين على رهبانيتهما حتى لأنس بهما المركيش ثم دعاه الأسقف بصور دعوى فوثبا عليه فخرجاه ولجأ أحدهما إلى كنيسة واختفى فيها وحمل إليها المركيش لشدة جراحه فأجهز عليه ذلك الباطني وقتله ونسب ذلك إلى ملك إنكلطيرة رجاء أن ينفرد بملك الإفرنج بالشام ولما قتل المركيش ملك المدينة زعيم من الإفرنج الواردين من وراء البحر يعرف بالكندهري ابن أخت ملك إفرنسة وابن أخي ملك إنكلطيرة من أبيه وتزوج بالملكة في ليلته وبنى بها وملك عكا وسائر البلاد بعد عود ملك إنكلطيرة وعاش إلى سنة أربع وتسعين وسقط من سطح ولما رحل ملك إنكلطيرة إلى بلاده أرسل هذا الكندهري إلى صلاح الدين واستماله للصلح والتمس منه الخلعة فبعث إليه بها ولبسها بعكا والله تعالى أعلم.

.مسير الإفرنج إلى القدس.

ولما قدم صلاح الدين القدس وكان قد بلغه مهلك تقي الدين عمر ابن أخيه شاهنشاه وأن ابنه ناصر الدين استولى على أعماله بالجزيرة وهي حران والرها وسميساط وميافارقين وجان وبعث إلى صلاح الدين يسأل إبقاءها في يده مضافة إلى ما كان لأبيه من الأعمال بالشام فاستقصره صلاح الدين لصغره وطلب منه ابنه الأفضل أن يعطيها له وينزل عن دمشق فأجابه إلى ذلك وأمره أن يسير إليها وكاتب ملوك البلاد الشرقية بالموصل وسنجار والجزيرة واربل وسار لإنجاده بالعساكر وعلم ناصر الدين أنه لا قبل له بذلك فبعث للملك العادل يستشفع له عند صلاح الدين على أن يبقى بيده ما كان لأبيه بالشام فقط وينزل عن بلاد الجزيرة فأقطعها صلاح الدين أخاه الملك العادل وبعثه يتسلمها ويرد ابنه الأفضل فلحق بالأفضل بحلب وأعاده وعبر الفرات وتسلم البلاد من ناصر الدين بن تقي الدين وأنزل بها عماله واستصحبه وساير العساكر الجزرية إلى صلاح الدين بالقدس ولما بلغ الإفرنج أن صلاح الدين بعث ابنه الأفضل وأخاه العادل وفرق العساكر عليهما ولم يبق معه بالقدس إلا بعض الخاصة فطمعوا فيه وأغاروا على عسكر مصر وهو قاصد إليه ومقدمهم سليمان أخو العادل لأمه فأخذوه بنواحي الخليل وقتلوا وغنموا ونجا فلهم إلى جبل الخليل وساروا إلى الداروم فخربوه ثم ساروا إلى القدس وانتهوا إلى بيت قوجة على فرسخين من القدس تاسع جمادي الأولى من سنة ثمان وثمانين واستعد صلاح الدين للحصار وفرق أبراج السور على أمرائه وسلط السرايا والبعوث عليهم فرأوا ما لا قبل لهم به قتأخروا عن منازلتهم بيافا وأصبحت بقولهم وميرتهم غنائم للمسلمين وبلغهم أن العساكر الشرقية التي مع العادل والأفضل عادت إلى دمشق فعادوا إلى عكا وعزموا على محاصرة بيروت فأمر صلاح الدين ابنه الأفضل أن يسير في العساكر الشرقية إليها فسار وانتهى إلى مرج العيون فلم يبرج الإفرنج من عكا واجتمع عند صلاح الدين خلال ذلك العساكر من حلب وغيرها فسار إلى يافا فحاصرها وملكها عنوة في عشرى رجب من السنة ثم حاصر القلعة بقية يومه وأشرفوا على فتحها وكانوا ينتظرون المدد من عكا فشغلوا المسلمين بطلب الأمان إلى الغد فأجابوهم إليه وجاءهم ملك انكلطيرة ليلا وتبعه مدد عكا وبرز من الغد فلم يتقدم إليه أحد من المسلمين ثم نزل بين السماطين وجلس للأكل وأمر صلاح الدين بالحملة عليهم فتقدم أخ المشطوب وكان يلقب بالجناح وقال لصلاح الدين نحن نتقدم للقتال ومماليكك للغنيمة فغضب صلاح الدين وعاد عن الإفرنج إلى خيامه حتى جاء ابنه الأفضل وأخوه العادل فرحل إلى الرملة ينتظر مآل أمره مع الإفرنج وأقاموا بيافا والله تعالى أعلم.

.الصلح بين صلاح الدين والإفرنج ومسير ملك إنكلطيرة إلى بلاده.

كان ملك انكلطيرة إلى هذه المدة قد طال مغيبه عن بلاده ويئس من الساحل لأن المسلمين استولوا عليه فأرسل إلى صلاح الدين يسأله في الصلح وظن صلاح الدين أن ذلك مكر فلم يحبه وطلب الحرب فألح ملك إنكلطيرة في السؤال وظهر صدق ذلك منه فترك ما كان فيه من عمارة عسقلان وغزة والداروم والرملة وبعث إلى الملك العادل بأن يتوسط في ذلك فأشار على صلاح الدين بالإجابة هو وسائر الأمراء لما حدث عند العسكر من الضجر ونفاد النفقات وهلاك الدواب والأسلحة وما بلغهم أن ملك إنكلطيرة عائد إلى بلاده وإن لم تقع الإجابة آخر فصل الشتاء امتنع ركوب البحر فيقيم إلى قابل فلما وعي ذلك صلاح الدين وعلم صحته أجاب إلى الصلح وعقد الهدنة مع رسل الإفرنج في عشرين من شعبان سنة ثمان وثمانين لمدة أربعة وأربعين شهرا فتحالفوا على ذلك وأذن صلاح الدين للإفرنج في زيارة القدس وارتحل ملك انكلطيرة في البحر عائدا إلى بلده وأقام الكندهري صاحب صور بعد المركيش ملكا على الإفرنج بسواحل الشام وتزوج الملكة التي كانت تملكهم قبله وقبل صلاح الدين كما مر وسار صلاح الدين إلى القدس فأصلح أسواره وأدخل كنيسة صهيون في البلد وكانت خارج السور واختط المدارس والربط والمارستان ووقف عليها الأوقاف واعتزم على الإحرام منه للحج فاعترضه القواطع دون ذلك فسار إلى دمشق خامس شوال واستخلف عليه الأمير جرديك من موالي نور الدين ومر بكفور المسلمين نابلس وطبرية وصفد وبيروت ولما انتهى إلى بيروت أتاه بها سمند صاحب انطاكية وطرابلس وأعمالها فالتزم طاعة صلاح الدين وعاد ودخل صلاح الدين دمشق في الخامس والعشرين من شوال وسر الناس بقدومه ووهن العدو والله سبحانه وتعالى أعلم.